كتاب "الإسلام بين الشرق والغرب" ألفه رئيس البوسنة "علي عزت بيغوفيتش"، أول رئيس جمهورية، يكشف الكتاب عن سمات شخصية مؤلفه ويبرز ملامحها وتبدو فيه تجربته الخاصة في الحياة. يزاوج بيغوفيتش في كتابه بين حرية الإنسان ومسؤوليته من ناحية وبين الخلق الإلهي من ناحية أخرى، فهو يرى أن قضية الخلق في الحقيقة هي قضية الحرية الإنسانية، فإذا قبلنا فكرة أن الإنسان لا حرية له وأن أفعاله محددة سابقًا كما يزعم الماديون، ففي هذه الحالة لا تكون الألوهية ضرورية لتفسير الكون وفهمه، ولكن إذا سلمنا بحرية الإنسان ومسؤوليته عن أفعاله، فإننا بذلك نعترف صراحة أو ضمنًا بوجود الله، فالله وحده هو القادر على أن يخلق مخلوقًا حرًا، ولا يمكن أن توجد الحرية إلا بفعل الخلق.
لم يتساهل علي عزت في أمر حريته ولم يفرط فيها لأنه يرى في الحرية جوهر الإنسان وقوامه، ويؤمن بأن الحرية منحة من عند الله وأمانة استودعها إياه لا يصح التفريط فيها. لأن هذا الموقف يتصادم مع النظام الدكتاتوري الحاكم في يوغوسلافيا الشيوعية، كان قدر صاحبه أن يمضي سنوات طويلة من شبابه وكهولته مغيبًا في سجون الدولة بتهم ملفقة، وسنجد أن فكرة الحرية الإنسانية محور أساسي من محاور كتابه، عالجها في مجالات متعددة، ففي علاقتها بالنظم الشمولية انتهى علي عزت في تحليلاته إلى أن هذه النظم يستحيل أن تستمر في الوجود لأنها تنظر إلى الإنسان نظرة أحادية الجانب، وبذلك تصطدم بأعمق ما في طبيعته، وكأن علي عزت ـفي ذلك الوقت المبكرـ كان يتنبأ بانهيار النظم الشيوعية قبل أن يبدأ الزلزال الذي اكتسحها بعشرين سنة على الأقل.
يمضي الكاتب ليكشف لنا عن طبيعة العلاقة التي تربط بين السلطة المستبدة وبين نوعين مختلفين من الناس يطلق عليهم «الأتباع والهراطقة»، ويرى أن هناك علاقة توافق بين الذين يعشقون التبعية والخضوع وبين السلطة التي تحب أن يكون لها أتباع يصفقون لها ويستحسنون أعمالها سواء أصابت أم أخطأت، أما الهراطقة فهم أناس خارجون على النظام أشقياء لا يحبون السلطة ولا تحبهم، يتحدثون كثيرًا عن الحرية وعن التغيير ولا يتحدثون عن الخبز، ولا يقبلون فكرة أن الملك هو الذي يطعمهم وإنما يعتقدون أنهم هم الذين يطعمون الملك. كما يتناول علي عزت مواضيع أخرى: العدمية احتجاج على غياب الألوهية، التمييز بين الثقافة والحضارة، إخفاق الأيديولوجيات الكبری، الإسلام وحدة ثنائية القطب، سر إنحطاط المسلمين، والعداء الغربي للإسلام.