كل كتابٍ من كتب توفيق الحكيم يستحق وقفةَ تأمل، إلا أن كتابه "زهرة العمر" حكايةٌ أخرى.
يضم الكتاب رسائل حقيقية كما وصفها الحكيم، بمعنى أنه لم يكتبها من باب الكتابة الأدبية في فن الرسائل، إلا أنها مكاتباته الحقيقية التي ظل يرسلها إلى صديقه الفرنسي مسيو أندريه ابن الأسرة التي استضافته في بداية إقامته في باريس عندما أصرّ والده أن يحصل على الدكتوراه في الحقوق من هناك.
تشبه هذه الرسائل البرنامج الذي يمكن لكل كاتب راغب في ترك بصمة في عالم الأدب والفكر أن يقتدي به، ليس بالضرورة في العيش في فرنسا، وإنما في منهج التفكير والنظر إلى الأمور، ومحاولة فهم واستيعاب ومراقبة الآخر وتطوير الذات، فهي كما وصفها الحكيم نفسه تكشف جهوده التي بذلها في مطلع شبابه في سبيل التجرد والتحرر من كل ما يشغله عن الفن.
بعيدًا عن اللغة والأسلوب المحبوك الذي لا يخلو من نبرة تهكم وسخرية عُرف بها الحكيم، تكتسب رسائل "زهرة العمر" أهميتها من كونها كاميرا مراقبة رصدت لنا بتفصيل شديد الشاب توفيق الحكيم في فترة تكونه الفكري والفني، فترة زهرة العمر كما وصفها.