"العالم ماهيته؟"
"ما الغرض من الوجود؟"
داعبت هذه الخواطر ذهن "ميلوتين تسلا" إلى أن توصل في النهاية إلى سؤال مروع وهو: "ما هي الـ (ماذا)" ؟ وفي تلك المرحلة، تلاشت هذه الأفكار من ذهن "الأب" وأصبح مشوش الفكر. استدل "ميلوتين" أن العقل البشري واقعي، فهو في الأساس أداة، كالمنشار الذي يستخدم في قطع الأشجار، فمن الممكن أن يصنع منه قوساً لعزف الموسيقى عليه، ولكن ليس هذا ما صنع المنشار من أجله. نصح تلاميذه بالكف عن التردد وحسم أمرهم حين قال: "إنني على سبيل المثال، كنت على وشك التخرج من الأكاديمية العسكرية، ولكنها تركتها لأصبح قِساً" كانت أول ابرشية لـ "ميلوتين" في سيني المدينة العاصفة، كما ذُكرت في العديد من الأغاني الملحمية الصبرية.
ظل يرشد أبناء ابرشيته: "إنني أسدي إليكم النصيحة بما فيه مصلحتكم، إياكم الفظاظة، إنكم معشر ذوو فطرة سليمة، وعليكم بالتحلي بروح التقدم، بروح عامة الشعب، ركزوا على الاستقلال، والمساواة، والأخوة. أهمل أبناء الأبرشية جهود القس في تنوير أذهانهم، وأخذوا يتذمرون من "مرضه" أو بالأحرى من "سخافته"، فظنوا أنه مدانٌ باضطراباته وأرادوا نبذه، فكان رد القس أن التواجد مع أناس مثلهم مثير للإشمئزاز، سألهم "ميلوتين تسلا" بسخرية: "هل تظنون أنني أستفيد من وجودي هنا؟، لن أكون أسوأ حالاً إذا إنتقلت إلى بيسارابيا". ولكن، انتقل الأب "تسلا" إلى قرية سميلجان في منطقة ليكا في كرواتيا بدلاً من بيسارابيا، وأثناء إقامته هناك، لم يتراخ عن إمتطاء حصانه والذهاب لإقامة الشعائر الأخيرة للموت، حتى إذا أومضت عيون الذئاب في ليالي الشتاء المظلمة، وبعد رحلة طويلة، كان ينفض القس الثلج عن معطفه المصنوع من الفرو المنك ويدخل الكوخ ويقترب من الفراش وينحني نحو الرجل الذي يحتضر".