يبدأ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مقدمة كتابه ثورة: داخل فكر أصغر رئيس في تاريخ فرنسا بقوله: "إن مواجهة العالم تجعلنا نستعيد الأمل". ويشدد الرئيس ماكرون على أن "الحل موجود فينا، وهو لا يتعلق بلائحة من المقترحات التي لن تتحقق، كما أنه لن يخرج من رحم تسويات عرجاء، بل سينجز بفضل حلول مختلفة تفترض ثورة ديمقراطية عميقة، ويعتمد الحل على وحدتنا، وشجاعتنا، وإرادتنا المشتركة.
يؤكد الرئيس ماكرون أن كتابه هذا "ثورة ديمقراطية"، شرع في تصويرها في ما يلي من صفحات. ليس هنا برنامجاً، أو أياً من تلك المقترحات التي تجعل حياتنا السياسية أشبه بكتالوغ من الآمال الخائبة. بل ستجدون بالأحرى رؤيةً وسرداً وإرادةً، لأن للفرنسيين أنفسهم، إرادة غالباً ما أهملتها حكوماتهم، ولأن الرئيس الفرنسي ألف كتابه قبل الترشح لمنصب رئاسة فرنسا، فهو يصارح شعبه بان الطريق الوحيد لتطبيق "ثورة ديمقراطية"، هو "أن أرشح نفسي إلى انتخابات رئاسة الجمهورية الفرنسية. لأنه خيار ينسجم مع ما تريدون فعله. إنه خيار فرنسا المقدامة والطموحة، التي يجب إعادة بنائها".
يروي ماكرون بطريقة سردية مشاور تعلمه وخبرته، فقد تربى في بيت ينظر إلى "التعليم باعتباره تدريباً على الحرية". وعن فترة انتقاله إلى باريس، يقول الرئيس ماكرون: "خضت أجمل المغامرات، جئت للإقامة في أماكن لا وجود لها إلا في الروايات، وسلكت طريق شخصيات روايات غوستاف فلوبير وفكتور هيغو. كان يحركني التطلع الملتهب لشبان روايات أونوريه دي بلزاك الطموحين". يعترف الرئيس ماكرون بأنه على رغم اكتشافه في باريس، مواهب فريدة حوله، عباقرة حقيقيين في الرياضيات، إلا أنه فضل خلال السنوات الأولى الباريسية، أن يعيش ويحب على الانخراط في منافسة بين الطلاب. يقول: "تملكني هاجس أن أعيش الحياة مع المرأة التي أحببتها". يشعر الرئيس "ماكرون" أن تلك السنوات ملؤها السعادة، "من حسن حظي أن التقي حينذاك الفيلسوف الفرنسي المشهور "بول ريكور" في لقاء جرى عندما كان يبحث عمن يؤرشف له وثائقه. تعرفت إلى جانبه على أحداث القرن السابق، وتعلمت التفكير في التاريخ. علمني كيفية التفكير من خلال النصوص في مواجهة الحياة، في عملية تنقل مستمرة بين النظرية والواقع. علمني الرزانة التي يجب من خلالها فهم بعض الموضوعات وبعض اللحظات العصيبة."
دراسة ماكرون في المعهد الوطني، أفسحت له المجال للاختيار، فعمل في التفتيش المالي الذي كان أشبه باكتشاف قارة جديدة. قارة إدارية، فرأى فيها مفاتن التجديد، وقد تعلم الرئيس على مدى أربع سنوات ونصف العام دقة المراجعة وغنى التنقل في الميدان، وخصوصية العمل السياسي. بعد تلك السنوات ترك ماكرون "وظيفة الدولة" ليعمل في مصرف روتشيلد للإستثمار 4 أعوام، وبتوجيه من مصرفيين محنكين، تعلم تلك المهنة الغريبة المكونة من القدرة على فهم القطاع اقتصادي وتحدياته. عام 2012 اختار ماكرون ترك العمل المصرفي، وعمل بطلب من الرئيس السابق هولاند في قصر الإليزيه كأمين عام مساعد، يهتم بقطاع الاقتصاد واليورو. عام 2014 طلب ماكرون تحريره من منصبه الرسمي، فما كان من الرئيس هولاند أن استدعاه لتولي وزارة الاقتصاد والصناعة. ويؤكد مراراً في صفحات كتابه مشاركة زوجته بريجيت له طوال كل هذه السنين، حيث تزوجا عام 2007. ويستطرد قائلاً: "لم أفهم إلّا في وقت لاحق جداً أن إرادتها في جمع حياتنا كانت شرط سعادتنا".
يختم الرئيس "ماكرون" كتابه، بقوله: "هل تظنون كل ما سبق هو مجرد أحلام؟ فيجيب: "إنها الثورة الديمقراطية التي يجب أن ننجحها. هذا هو خيارنا الذي لا أعرف خياراً أفضل منه".