يأخذنا الروائي التركي الكبير الحاصل على جائزة نوبل في الآداب، أورهان باموق في روايته "ذات الشعر الأحمر" إلى بلدة صغيرة على بعد ٣٠ ميلاً من إسطنبول، والمطّلع على أعمال هذا الكاتب يلاحظ ولعه الشديد بمدينة إسطنبول. يستخدم باموق في هذا العمل أسلوب استرجاع الماضي القريب من ثمانينات القرن العشرين، وما شكلته هذه الفترة المشتعلة بالأحداث السياسية من انقلابات وصراعات على الحكم.
تدور قصة الرواية في صورة اجتماعية خلفيتها سياسية، حول صبي اسمه "جام شيلك"، طالب في المدرسة الثانوية، يحكي عن نشأته داخل أسرة متوسطة، ويقطن في حي "بشيكتاش" في إسطنبول، لأب يعمل في صيدلية، وأم ربة منزل. يحدث انقلاب "كنعان إيفرين" ويتم القبض على والده، فيضطر جام لمساعدة والدته، فيعمل مع الأسطى محمود حفّار الآبار.تتطور علاقة جام بالأسطى محمود من علاقة صداقة إلى علاقة أبوية، فيقومان معاً صباحاً في أعمال الحفر والبحث عن الماء، وفي الليل يتسامران حول حياة الأسطى وكيف وصل إلى هنا، وعن جام وعلاقته بوالده، إضافة إلى موضوع أعمال الحفر في الدولة البيزنطية والعثمانية في تركيا،سبعينات القرن الماضي. يواصل جام والأسطى محمود أعمال الحفر إلا أنهما يفشلان في العثور على الماء.
يحكي أورهان باموق كذلك عن تحولات المدينة القديمة، من مدينة ذات تعداد سكاني يقارب الخمسة ملايين نسمة، إلى مدينة كوزموبوليتية صاخبة يبلغ عدد سكانها ١٥ مليون نسمة، مما يجعلها مطمعاً للغرب. تمضي السنوات ويفترق الصديقان بعد حادثة البئر والضرر الذي سببه جام للأسطى محمود. يعمل جام بعدها في مكتبة ويلتحق بجامعة إسطنبول التقنية ويتعرف هناك على عائشة وتنشأ بينهما قصة حب، فيتزوج بها، ويصبح جام مهندساً وصاحب مقاولات. تحدث مفاجأة لجام لم تكن بالحسبان،حيث تصله رسالة تهديد من شخص اسمه أنور، يخبره فيها أنه ابنه، وهنا يعود جام بالذاكرة لعلاقته "بذات الشعر الأحمر" جيهان، وبعد إجراء التحليلات يتبين صدق الابن أنور.
ينقل أورهان لنا فكرة صراع الآباء والأبناء في هذه الرواية، حيث أن أنور يتمادى ويقرر الانتقام من والده جام، فيقوم برفع قضية نسب وتعويض عن فترة حرمانه من الأبوة، والمفجع في الأمر أن علاقة أنور بأبيه تنتهي بالقتل، حيث يقوم أنور بقتل والده جام.
والجدير بالذكر أن هذه الرواية قد حازت على جائزة "جوسيبي دي لامبيدوسا" الإيطالية في نسختها الرابعة عشر عام ٢٠١٧.