قبلَ شُروقِ شَمْسِ صَباحِ أحد أيام شهر مايو 1861 بدأ أوَّلُ يوم عملِ للصبي مسعود فى حفرِ القناة بصحراء السويس عند مرتفعات عتبة الجسر... خلعَ مع بقيَّةِ الفلاَّحينَ جلبابَهُ الأزرقَ وألقَى به على الأرضِ بجوارِ قُلَّةِ الماءِ التى يشتركُ فى الشُّرْبِ منها مع عددٍ من زُمَلائِهِ .
سلَّمَتِ شركةُ حفر القناة إلى شيخ البلد مخلوف كُرْباجًا من الجِلْدِ المَجْدولِ ، وقالوا له : لا تَتردَّدْ فى استخدامِهِ لِمَنْ يتباطَأ أو يتهاوَنُ فى العملِ !
وبدأ مسعود العملَ .. يهبطُ بالقُفَّةِ فارغةً إلى قاعِ القناةِ حَيْثُ يملؤُها بالصخورِ والأحجارِ التى حطَّمَها فريق رجالِ قرية شارونة ، ثم يحملُها فَوْقَ كَتِفِهِ ويصعدُ إلى جِسْرِ القناةِ لِيُفْرِغَها ، ثم يهبطُ مرَّةً أخرى لِيُعاوِدَ نفسَ العملِ..
لكنَّ مسعود الذي لم يتجاوز الثانية عشرة بعد كانَ أصغرَ أفرادِ الفَوْجِ سِنًّا وأقلَّهم وَزْنًا وقُوَّةً ، لذلك كانَ أوَّلَ من تَسلَّلَ إليه الإجْهادُ فاضطرَّ أن يجلس أخيرًا حتى لا يسقط...وكأنَّ مخلوف لم يكُنْ ينتظرُ إلا هذه اللحظةَ، فانْقَضَّ بكُرباجِهِ على جَسَدِ مسعود يضربُهُ فى كلِّ موضعٍ وقد تزامن ذلك مع مرور نائب أفندينا الخديوي فما الذي سيفعله؟!!
قصةٌ شيّقة تحكي جزءًا مهمًا من التاريخ بلغة سهلة وبأسلوب سلس
"تائه في القناة" واحدة من إصدارات المكتبة الخضراء الشيقة والممتعة، المستوحاة من التراث العالمي و المستلهمة من ثقافات شعوب الأرض بحضاراتهم الغنية المتنوعة و الحافلة بالعبر و المواعظ النبيلة و السامية الموجهة إلى الأطفال.