جاءني خاطر في تلك الجلسة أنه كان عليّ أن أدرس الجغرافيا. لقد اكتشفت معه أنني أحبها حقاً وأنها ربما كانت شغفي المغيّب الذي لم ينتبه أحد إليه، حتى أنا. وربما لهذا السبب تخصصت في مجال قريب من الجغرافيا البشرية تحديداً، وهو الأنثروبولوجيا الثقافية. لو قام ناصر بتدريسي هذه المادة في سنواتي المدرسية المبكرة، لكنت أعددت معه خرائط بديلة لهذا العالم الرديء. ولو أن بابا اشترى لي تلك الكرة الأرضية التي رأيتها في واجهة مكتبة في شارع جان دارك في منطقة الحمراء ببيروت، لكنت ذهبت باتجاه الجغرافيا بلا شك. ولكتبنا أبحاثنا معاً، أنا وناصر، حول الفخاخ السياسية التي تصنعها التضاريس مثلاً. كنت في الرابعة من عمري، ووقفت أشير إلى تلك الكرة وراء الزجاج، وقد غطّى الأزرق اللامع المخطط بخطوط الذهب جلّ مساحتها، وأصرخ: الدنيا، الدنيا، أريد الدنيا... يسحبني بابا من يدي، ويقول: سنشتري "الدنيا" من الشام، من الشام!