"شرفات بحر الشمال" هي رواية الغياب لا الحضور... الغياب الذي يتجسد في عالم من المفقودات المتتالية التي يتقاسمها كلًّا من المكان والزمان المفقودين. فالبطل المطل على خمسيناته لا يجد سوى المنفى ملاذاً لكهولة كان يجدر بها أن تتقدم بوداعة هانئة نحو الشيخوخة أو الموت، وفوق تراب أليف له صورة الوطن ودفئه ومذاقه، لكن "ياسين" الذي يصر طويلاً على التشبث بسرير ولادته لم يعد قادراً وسط شلال الدم المراق على مذبح القبائل والأصوليات المتناحرة أن يحتفظ بهذا السرير لكي يحوله لحظة موته الى قبر. لذلك كان عليه، وهو نحات متميز، أن ينتظر الذريعة المناسبة لكي يغادر الجزائر الى لوس أنجيلوس بعد أن حصل على منحة خاصة من أحد معاهد الأبحاث في تاريخ الفن، مروراً بأمستردام التي دعي إليها لحضور مؤتمر خاص بالفنانين.... لم يكن ياسين متأكداً في شكل قاطع من عودته الى الجزائر مرة ثانية لكنه كان يعرف أنه يتورط في منفاه كما يتورط المريض في المرض وأننا "لا نترك وطناً إلا لنتزوج قبراً في المنفى" كما يعبر على لسان احدى بطلاته...