كان كلَّما دخل منزلًا هجره أهله تسلَّل إليه الشعور ذاته، مزيجٌ من الرَّهبة والحزن تختلط بروائح مختلفة من العفونة والحليب الفاسد والطعام الذي تُركَ في المطبخ لأسابيع، لم يكن يملك أمام هذا الشعور سوى التجاهل فقد كانت تلك وظيفته التي يعتاش بها؛ إصلاح ما فسد من المنازل بعد أن هجرها أهلها على عجل حتّى يتسنّى للبنك المصرفي بيعها في أقرب وقت، لم يجرؤ يومًا على أخذ شيءٍ من المقتنيات كما أصدقاؤه لكنّه مارس هوايته بالتقاط الصور الفوتوغرافية للأشياء المهملة لا يعرف لماذا وكأنّه أخذ على عاتقه أن يوثّقَ آخر رمقٍ من حياةٍ كانت هنا أو ربّما كي يُثبتَ أنَّ تلك العائلات التي اختفت فجأة كانت قد عاشت هنا ذات يوم، حتّى أصبح لديه الآلاف من هذه الصوَّر يحفظها في أرشيفٍ متهالك ولا يدري ما مصيرها فهل ستصل هذه الصور إلى أصحابها يومًا ما أم ستودي به إلى التهلكة؟!
إنّها حكاية حيّ "صانست بارك" وعالميْه المتناقضين؛ مقبرة غرينوود وتلك البيوت التي هجرها أهلها ليصبح بعضها موطنًا لمجموعةٍ من الشباب الرّافض لسياسات الدولة وما آلت عليه..مجموعةٌ من الشباب يحتفظون ببقايا الحياة التي تلاشت ويستعدّون للثورة..