رواية "واحد، ولا أحد، ومائة ألف " التي يصفها "بيراندِلُّلو" نفسه، في رسالةٍ من رسائل سيرته الذَّاتيَّة، فيقول: "النَّصُّ الأكثر مرارةً من أيِّ نصٍّ آخر، السَّاخرُ أعمقَ ما تكون السُّخرية من تحلُّلِ الحياةِ نفسِها" هو عملَه الرِّوائيَّ الوحيد والأخير. وهو الذي سينظر إليه كثيرٌ من الدَّارسين والمفكِّرين لاحقاً على أنَّه تكثيفٌ لكلِّ الأفكار واختصارٌ لكلِّ العوالم التي أراد "بيراندِلُّلو" التَّعبيرَ عنها في الرِّوايةِ والقصَّةِ والمسرح.
ولا غرويب في ذلك إذا ما علمنا أنَّ "بيراندِلُّلو" عملَ خمسة عشر عاماً على إنجاز هذه الرِّواية، وقد قال هو نفسُه إنَّه أبداً لم يضعها جانباً بين عملٍ وآخر، بل واصل العملَ عليها والتَّعديلَ فيها، معتبراً إيَّاها بعد كلِّ شيءٍ أشبهَ بوصيَّته الفكريَّة والأدبيَّة. ومع ذلك، ليس من الإنصاف القولُ إنَّ هذه الرِّواية روايةٌ فكريَّةٌ فحسب، فهي وإن كانت تنطلق من فكرةٍ فلسفيَّةٍ ووجوديَّة إلَّا أنَّها لا تُغفِلُ الحدثَ الرِّوائيَّ وبناءَ الشَّخصيَّةِ الرِّوائيَّة، وهذا ما يجعلها في رأي كثيرين من طينةِ "المسخ" لكافكا، أو "يوليسيس" لجيمس جويس، أو حتَّى "البحث عن الزَّمن الضَّائع" لبروست.