ميرامار – نجيب محفوظ
الإسكندرية أخيراً.
الإسكندرية قطر الندى، نفثة السحابة البيضاء، مهبط الشعاع المغسول بماء السماء، وقلب الذكريات المبللة بالشهد والدموع.
بهذه الكلمات الرقيقة في عشق الإسكندرية يفتتح نجيب محفوظ هذه الرواية على لسان عامر وجدي المسن الذي عاد إلى الإسكندرية ليتقاعد فيها ويمضي آخر أيام شيخوخته في بنسيون باسم ميرامار تملكه سيدة يونانية شقراء بعيون زرقاء اسمها ماريانا لطالما اعتبرها عامر صديقه الوحيد، فعاد ليسكن البنسيون ويستعيد حبه للإسكندرية والحياة فيها بعد حياة طويلة في عالم الصحافة تقاعد منه بعد سنوات من الكد والتعب، تأخذنا الفصول الأولى في حوار مليء بالحنين والذكريات لعالم مضى وكبر خلاله الصديقان فيحكيان عالمهما الذي مضى وحاضرهما الذي لا يزال متمسكاً ببعض الثوابت ومنها البنسيون نفسه وجمال ماريانا الأشقر.
تتوالى الرواية على لسان عدة شخصيات تصف فيها البنسيون ونزلائه وبالأخص الفلاحة الجميلة الشابة زهرة التي هربت من الريف لكي لا تقع ضحية زواج من رجل عجوز لتعمل كخادمة في بنسيون ميرامار وتواجه ذلك العالم الصخب في المدينة الكبيرة والرجال الذين يحوطونها من كل جانب.
تتميز الرواية التي صدرت لأول مرة في عام 1967م مثل كل روايات نجيب محفوظ بالواقعية الشديدة والحوارات الشيقة، ووصف المدينة والأماكن والسردية السلسة للأحداث والشخصيات وتناول الحياة من جوانب عديدة في تلك الفترة من ستينيات القرن الماضي في مدينة الإسكندرية الساحلية، تتناوب الحوارات بين الشخصيات بين المواضيع الشخصية والمواضيع التاريخية والسياسية في أحداث تلك الفترة وما سبقها وتأثير تلك الأحداث والتغيرات على مستوى الدولة على الشخصيات نفسها وأحوالها وحياتها حتى طابع المدينة نفسها، وككل روايات محفوظ تتداخل السياسة والتاريخ والواقع والحكاية مع بعضها لتنسج رواية قصيرة في غاية المتعة والجمال.