تمضي نوال سعداوي في سرد مذكراتها كطبيبة كانت بحاجة في لحظة من اللحظات إلى من يداويها، يداوي آمالها التي انبعثت مع لحظات انبثاق أنوثتها، وآلامها التي تفجرت مع تفجر هذه الأنوثة، المجتمع بتداعيات معتقداته، والأهل بسجن عاداتهم وأفكارهم، والنفس بهواجسها وتطلعاتها ومعصيانها وتمردها، وبإذعانها أخيراً لشيء ما، تعلن مذكراتها.
"ضاعت طفولتي في صراع ضد أمي وأخي ونفسي، والتهمَتْ كتبُ العلم والطب مراهقتي وفَجرَ شبابي … كلُّ ما كنتُ أعرفه في ذلك الوقت أنني بنتٌ كما أسمع من أمي. بنت! ولم يكن لكلمةِ «بنت» في نظري سوى معنًى واحد، هو أنني لستُ ولدًا، لستُ مثل أخي!"
حين يُعايِش الإنسانُ آلامَه، حين يدوِّن المكلومُ سِنِي جراحه، حين تتخلَّل الحياةَ لحظاتٌ نَديَّة تروي ظمأَ الطفولة المُهدَرة، تُجِير تلك الفتاة الحالمة، المُتمردة، الصلبة، من لكمات واقعها الأليم؛ تُصبح «مذكرات طبيبة» حَكْيًا ذاتيًّا، يتجاوز حدودَ الرواية، ليُجسِّد تجربةً إنسانية فريدة. سطَّرتِ الدكتورة «نوال السعداوي» ما قاسَتْه وتقاسيه كلُّ فتاة وامرأة تنشأ ولا تجد غيرَ أفكارٍ وعاداتٍ تقتل فيها كلَّ حُبٍّ للحياة ونفسها وذويها، تسوقها لكره وحقد نحو مجتمع لا تجد فيه رجاء، مجتمع تستحيل فيه الفتاةُ الحالمة الرقيقة البريئة إلى إنسانٍ خائف، عنيف، يتوجس خيفةً من كل قريب وبعيد.
من أجواء الرواية :
"انتهت المعارك وآن لي أن أجلس بلا حراك أتدري لمَ وضعتُ كل علامات التعجب هذه؛ لأن هذه المثالية التي عبّر عنها هذا الرجل، وهو يجلس هادئاً على صخرة من صخور الهرم، وينظر إلى الأفق، وأمامه قرص الشمس يتسلل من وراء السحُب الرمادية؛ سرعان ما نسِيَها بمجرد أن أمسك في يده قسيمة الزواج، فتحوّل إلى رجل عادي مثل كل رجل شرقي، يرفض أن تخخرج امرأته إلى العمل وتمارس مهنتها، ويريد لها أن تكون مثل أي زوجة عادية تطبخ وتنظّف، فقال لها كلمات تشبه: "إني صاحب السلطة.. لا أريد أن تخرجي كل يوم.. يجب أن تتفرغي لزوجك وبيتك"، وكان الطلاق بعد أن جلست تقول لنفسها إنها أخطأت حين غرّتها نظرة الضعف والاحتياج، ولم تعرف "أن الإنسان الضعيف يُخفي تحت جلده عدداً من العُقَد والصفات الدنيئة التي يترفّع عنها الإنسان القوي"، و"أن الخطأ الذي وقعت فيه لا يساوي كل هذا العقاب.. لا يساويه". على القمة ولكن وحيدة نحن الآن على مشارف النهاية" .