أي شيء جذب آن همند إليّ ؟ لقيتها وهي دون العشرين، تدرس اللغات الشرقية في اكسفورد، كانت حية، وجهها ذكي مرح وعيناها تبرقان بحب الاستطلاع رأتني فرأت شغفاً داكناً كفجر كاذب، كانت عكسي تحن إلى مناخات استوائية، وشموس قاسية، وآفاق أرجوانية، كنت في عينها رمزاً لكل هذا الحنين، وأنا جنوبي يحن إلى الشمال والصقيع" مصطفى سعيد إنسان متسربل بالأسرار، قادته قدماه للاستقرار في تلك القرية السودانية للعمل بالزراعة بعد أن كان في الخرطوم تأجراً، يعمل بأرضه يفلحها يزرعها، وفي عشية من العشيات ينطلق الشعر الإنجليزي على لسانه وكأنه الإنكليزي، في نظراته عمق، وعلى أسارير وجهه هدوء، وفي أوصاله سكينة تتسرب بثقة إلى مرافقه، لم يكن راوي حكاية ذاك الرجل الذي هاجر في يوم من الأيام إلى الشمال إلى بلد الصقيع ذاك الراوي، أشد شغفاً من القارئ الذي يتابع سر غريب مسكون بإنسان أكثر غرابة منه، من خلال أحداث وسرديات موسم الهجرة إلى الشمال.