يوجز هذا الكتاب «فن التجسس» للمؤلف هنري كرامبتون عالماً جديداً من المخاطر ودور جمع الاستخبارات والعمل الخفي في عوالم مجهولة. ويشتمل على استكشاف المبادئ الإستراتيجية والدينامية المعقدة الموجودة بين النزاع والاستخبارات والحكم والمجتمع، كل ذلك مكتوب بلغة حكائية، سردية، ادبية. مؤلف هذا الكتاب يتبنى بوضوح الآراء الواردة في كتاب الصيني الشهير صن تزو «فن الحرب الصيني» الذي عاش في القرن الخامس قبل الميلاد، والذي شدد أن فن الحرب ضروري للدولة، وأضاف أن «كل العمليات الحربية ترتكز إلى الخداع» وأنه «إذا عرفت العدو وعرفت نفسك لا تحتاج إلى القلق من نتيجة مئة معركة»، وهو بذلك يشير إلى دور الاستخبارات، الذي تعاظم، وأصبحت له مؤسساته.
في هذا الكتاب سنعرف عن الحرب أكثر مما نعرف عن السلام، وعن القتل أكثر مما نعرف عن الحياة. كما سنقرأ رأياً جريئاً لجاسوس أميركي بشأن سياسة بلده في الشرق الأوسط. إنه من فئة الضباط الذين يعملون في الخفاء، ويمتلكون قدرة كبيرة على التصريح برؤيتهم لأبناء حضارات مختلفة، لم يكونوا يرون منها غير أنها ليست أميركا؟! خلال الفصل الذي نقرأ فيه تفاصيل عمله ويومياته في أفغانستان يقول: «أخذنا نحسّن قدراتنا للعثور على العدو والاشتباك معه والقضاء عليه. احتجنا إلى طريقة نكسب فيها الناس إلى جانبنا، فلا نكتفي بق بقتل من نختارهم من الأعداء فحسب...»؟ في أفغانستان بذل جهداً سريّاً هائلاً للقبض على بن لادن، لكنه أنهى خدمته هناك من دون أن يحقق حلمه.
هذا الكتاب يطرح تساؤلاً: كيف سيتطور النزاع البشري؟! الجاسوسية حرب من نوع خاص، حرب بين الناس وليس بين الجيوش، لكن أيضاً لها ضحايا نتيجة للخيانات التي غالباً ما تكون أشد وطأة في عالم الجاسوسية. يمكن قراءة الأجندة الأميركية المخطَطَّة، لكل العالم، من خلال يوميات هنري أ. كرامبتون، فالكتاب يلقي ضوءاً مباشراً على تفاصيل تجنيد العملاء، ابتداءً من اللقاء الأول، تقديم الطعم، اصطياد العميل، معرفة نقاط ضعفه وقوته، إخضاعه للتجربة. بعد ذلك التدريب، وطرائق التخفي ثم تفادي المراقبة، وأخيراً كتابة التقارير والملخصات. يشير هنري أ. كرامبتون، الى أن أعضاء مجلس مراجعة المنشورات في «السي آي إيه» أخطأوا في بعض ما حذفوه، ويعتبر أن كتابه منقوص، لكنه من الواضح أنه رضخ لمشيئة رقابة «السي آي إيه»، دون ما قناعة من قبله.
ينقل كرامبتون بجرأة كبيرة مشاهد وأحداثاً وقعت خلال توليه أخطر المهمات، كذلك طرق جمع المعلومات، مثل زرع أدوات المراقبة، وكيفية اختراق المراكز الحساسة، واختراق السفارات. أيضاً الكاتب يحافظ على هامش كبير من استقلالية رأيه الشخصي، الذي قد لا يتماشى مع رأي قادته. مثال ذلك رفضه لغزو العراق وتحفظاته الكثيرة على سياسة بلده في أفغانستان. يستند هذا الكتاب في جزء كبير من أهميته وجاذبيته إلى خبرة كرامبتون الطويلة، حيث عمل طوال أربعة وعشرين عاماً كضابط عمليات في الجهاز الخفي التابع لوكالة الاستخبارات المركزية. تنقل مهنياً بين دول أفريقيا في بداية سنوات عمله، ليصبح بعدها منسقاً لوزارة الخارجية الأميركية، وتسلم بعدها جميع عمليات «السي. آي. إيه» السرية داخل بلده.