كتابنا اليوم عن صاحب المقامات الأشهر، بديع الزمان الهمذاني الذي ولد وعاش في القرن الرابع الهجري، وهو عصر بلغت فيه الكتابة العربية درجة لا مزيد عليها من علو الصنعة والتأنق والبراعة، وبزغت شمس كُتاب كبار كابن العميد والصاحب ابن عباد والصابي والمهلبي وقابوس والخوارزمي وغيرهم. وكان من أبرز كتاب ذلك العهد بديع الزمان، الذي يقول عنه الثعالبي:
"ولم يُرَ ولم يُرْوَ أن أحدًا بلغ مبلغه من لب الأدب وسره، وجاء بمثل إعجازه وسحره، فإنه كان صاحب عجائب وبدائع وغرائب، فمنها أنه كان ينشد القصيدة التي لم يسمعها قط وهي أكثر من خمسين بيتا فيحفظها كلها ويؤديها من أولها إلى آخرها، لا يَخْرِمُ حرفا ولا يخل بمعنى، وينظر في الأربعة والخمسة أوراق من كتاب لم يعرفه ولم يره نظرة واحدة خفيفة ثم يهذها من ظهر قلبه هذًّا ويسردها سردًا".
ترك الهمذاني جملة من الآثار قليلة الحجم لكنها عظيمة الأثر، وهي المقامات الرسائل وديوان من الشعر، سنتعرف إليها في هذا الكتاب إضافةً إلى نشاته وتربيته ورحلاته، وفاته المبكرة وكيف دفنَ حيًا!!