" وحينما يفرغ الأب من تسابيحه يكوم مسبحته ويضعها في جيبه ويخبط بكفه على باطن قدمه الراقدة تحت ساقه المثنية، ويتنهد هاتفاً باسم السلطان، وجهه أسمر سمين متناسق الملامح وعيناه البنيتان طائران يغيبان في الآفاق الوردية من شفق المساء، في هذه اللحظة يتوقع عبد العزيز أن يأمره أبوه باحضار المصباح، ففي هذه الليلة يأتي كل شيء في أوانه... ويعود الولد باللمبة الكبيرة، ملمعة الزجاج عامرة بالكيروسين، ويضيئها الأب بعود ثقاب ويحملها الولد إلى ردهة الدوار الكبيرة ويعتلي كرسياً حتى يصل إلى الفانوس الكبير المدلى من السقف ويغلق عليها بابه، وينتشر على الحيطان المبيضة نور الفانوس الأصفر الكابي، تصحو النقوش والزخرفات وتتكحل بقطرات من لامعة من الضوء، وترتسم على الأرضية المبلطة دائرة كبيرة من الظلال تروح وتجيء متأرجحة مع اهتزام الفانوس".
من رواية أيام الإنسان السبعة بعبد الحكيم قاسم.
هذه هي الرواية الاشهر للكاتب الكبير عبد الحكيم قاسم، وهي مختارة من ضمن أفضل مئة رواية في القرن العشرين، ولهذه الرواية عدد من المميزات تجعلها تتفرد عن غيرها، فهي مكتوبة بلغة فصيحة وبلاغة قوية، وانتقاء فريد للكلمات والوصوف، ثم السرد السلس الجميل المفعم بالحنين والذكريات العذبة، إلى وصف العالم الريفي بكل تفاصيله وحياتة وألوانه، وهناك الشخصيات المفعمة بالحياة والواقعية، تتحرك وتتحدث كأنها موجودة الآن واليوم، فتجري الأحداث كما جرت مرات ومرات مع كل إعادة لهذه الرواية، تتألف الرواية من عدة فصول تحمل عناوين: الحضرة- الخبيز- السفر- الخدمة- الليلة الكبيرة- الوداع- الطريق، وكل منها يتناول قطعة من القصة الفريدة التي تجمعها معاً، قصة القرية المصرية وحياة الدروايش فيها، ومن العمل في الفلاحة والزراعة طوال النهار حتى يأتي الليل بدروايشه وأضواءه الخافتة فينوبون إلى (الحضرة).