كأنها تعرفه من زمان طويل وكأنها في شوق إليه.. وتعلقت عيناها بذقنه السوداء الطويلة وأحست بهذه الرغبة في الضحكة التي تكتمها وتنعكس ابتسامة بين شفتيها..
وقبل أن تقول كلمة واحدة اتجهت إلى الأريكة الموضوعة في ركن من غرفة العيادة وألقت بنفسها راقدة عليها وجسمها ممدود حتى آخره.. لقد سبق أن قال لها إنه يريدها أن تكون أمامه حرة وألا تحس به كطبيب معالج وأن تتكلم وهي في أي وضع تريده.. وهي الآن تريد أن تتكلم وهي راقدة على هذه الأريكة التقليدية المخصصة لرقاد المرضى النفسانيين..
وتركها الطبيب ترقد.. ولم يجلس خلف رأسها وفي يده الورق والقلم كما هي عادة الأطباء النفسانيين، إنما بقي مكانه جالسًا إلى مكتبه وأدار مقعده قليلًا بحيث أصبح وجهه مطلّا على الشباك وعيناه بعيدتين عنها.. وأصابع يده مغروسة في شعر ذقنه..
وبدأت تتكلم كأنها تحادث نفسها.."
تعاني ماجدة في حياتها أشد المعاناة، تزوجت صغيرة السن من رجل يكبرها سناً ويعاملها ببرود وجمود فظيعين، حتى اكتشفت أنه رجل متعدد العلاقات وأنه يخونها مراراً وتكراراً، ثم بدأت ماجدة تشعر بالمرض والآلام دبت في جسدها، فما هي مشكلتها وما هو علاجها؟
هذه إحدى القصص القصيرة التي كتبها إحسان عبد القدوس في هذه المجموعة القصصية الممتعة التي أخذت اسمها من اسم القصة الأخيرة بعنوان (أرجوك اعطني هذا الدواء) وقد تم تحويل هذه القصة إلى فيلم سينمائي شهير حاز على نجاح كبير.
يتميز اسلوب إحسان عبد القدوس بالسلاسة والبساطة على الرغم من قوة وعمق المواضيع التي يتناولها، فتتوالى الصفحات والسرد دون أي عناء وبمتعة كبيرة وتتناغم مع الأحداث والشخصيات، دون إطالة وتفاصيل مملة تنفر القاريء بل من خلال وصف يشبه كاميرا سينمائية ومشاهد ممتعة بالإضافة لحوار مميز وجريء يأتي أحياناً باللغة العامية المصرية وفي أحيان أخرى بالعربية الفصحى، ويرى إحسان عبد القدوس المجتمع من زوايا كثيرة ووجهات نظر متعددة فيستخرج منها قصصاً وروايات أمتعت الكثيرين ولا تزال حتى اليوم يعاد طبعها وتباع على نحو مستمر.