تعد الحضارة الهندية من أقدم الحضارات الأصيلة الحية في آسيا والتي أثبتت قدرة فائقة على الاستمرار وتجديد نفسها في مواجهة التحديات. وللحضارة الهندية سمة مميزة شأنها شأن جميع الحضارات القديمة، وهي قدرتها على الاستمرار بالتقاليد، وفي الوقت نفسه استيعاب العوامل الخارجية وخلق معادلة جديدة. ولذلك، تبدو منطقة جنوب آسيا كيانًا حضاريًا فريدًا يتضمن تعددًا في اللغات والديانات والأعراف والثقافات، لكنها لم تشهد أبدًا وحدة سياسية من النوع الذي نراه في الدول القومية بأوروبا.
تنطلق الدراسة من فرضية أن الهند قدمت ولا تزال نموذجًا مهمًا لتطور التجربة الديمقراطية في دولة من أكبر دول العالم الثالث، تعاني العديد من المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية، إلا أنها نجحت في بناء مؤسسات مختلفة بما يجعل من دراستها واحدة من أهم الدراسات العربية في حقل العلوم السياسية على ندرتها عن الهند وتجربتها السياسية المتميزة. فالنظام الديمقراطي في الهند يعد عاملًا مهمًا ويؤدي دورًا كبيرًا في مستقبل آسيا السياسي؛ لأن العالم كله اليوم بات يعترف بأن وجود الأشكال الديمقراطية للحكم في الهند معناه المساهمة الفعالة لتحقيق النظام الديمقراطي في آسيا كلها. فالهند قد تعلمت الشيء الكثير من خبرات الآخرين وتجاربهم، وأصبحت ركائز النظام الديمقراطي أكثر ضمانًا وثباتًا، ولا جدال في أن تقاليد الهند الديمقراطية، وتاريخ الكفاح الوطني، ونمو الوعي السياسي لدى الشعب، والحرص على مقاومة أي اتجاه أوتوقراطي، وكذلك وجود نظام الحكم الجمهوري، والممارسة الديمقراطية في أحسن صورها خلال العقود الماضية، لا جدال في أن وجود كل هذه التيارات يعد من أهم العوامل التي توحي بالأمل في مستقبل أفضل للديمقراطية في الهند.