في مجتمع يعاني من الانحطاط الأخلاقي وغياب القيم والمبادئ، وتمتد فيه أنامل الخيانة والغدر إلى كل مكان، فيصبح كل محظور مباحاً، والخداع أمراً متوقعاً .. نسجت هذه الرواية المشوّقة خيوطها وهي تنقل القارئ إلى عالم الاستخبارات والتحقيقات، فيشارك الشخصيات تجاربها، ويطّلع من خلالها على خبايا النفوس البشرية. تسرد رواية «الليل والضباب» للروائي التركي أحمد أوميت قصة الضابط سدات الذي يتعرض لمحاولة اغتيال فاشلة وقد نجا منها بأعجوبة، وذلك بعد اختفاء حبيبته مينة التي خان زوجته معها، ليبدأ بعد ذلك بالتحري والبحث عن الحبيبة الضائعة محاولاً إماطة اللثام عن الغموض الذي يكتنف القضية. ومع تطور سير التحقيق، ينهمر سيل الشكوك على رأسه، ولاسيما مع انجلاء بعض الأمور المخفيّة التي أصابته بالصدمة. ومن هنا يبدأ السؤال: هل هو والد الجنين الذي تحمله مينة حقاً؟ وهل أحبته فعلاً أم حاولت استغلاله؟ وما سر تواجدها في المكان الذي داهمه قبل اختفائها؟ وما سر اختِفائها المفاجئ؟ من أجواء الرواية نقرأ: "... تستلقي في الثلاجة دون أن تحرك شفتيها أو حتى حدقتي عينيها، لا شيء سوى ابتسامتها الخالدة المتجمدة. لا تزيح نظراتها عن وجهي، ولكن هذه الابتسامة التي على شفتيها القرمزيتين المتجمدتين، توحي إليّ أنها غادرت إلى ما وراء حدود يستحيل عليّ بلوغها الآن. فأرغب في الاقتراب منها، ونفض ذرات الثلج المتراكمة عليها كالملح، حينها ربما تبادلني الحديث، ونخرج سوياً من هنا. يلفحني الهواء البارد القادم من الثلاجة، ولكنني أقترب من حبيبتي، وتلامس ثيابها المتجمدة جسدي، إلا أنني لا أبالي، أريد أن أحتضنها والخروج من هنا، حتى تختفي تلك الابتسامة الغريبة عن وجهها، وتذوب هذه البرودة التي تفصل بيننا.. أحتضن جسدها الفتي المتخشب وأنا أحاول إخراجها. ولكن عبثاً، فالثلاجة ترفض إعادتها إليّ، فأشعر أن كتلة جليد ضخمة يصبغها ضوء الثلاجة الأحمر قد احتلت موضع قلبها، ألامس بشرتها الناعمة في عجز، حتى بشرتها باردة وبعيدة عني مثل ابتسامتها. لماذا لا تحاولين مساعدتي؟ أقول. تواصل الابتسام، فأحدق إلى عينيها اللتين ترمقانني في غرابة، ولا أجد في ذلك البعد البارد الذي تنظر نحوه جواباً لسؤالي المعلق على حبال كارثتي. أشيح بنظري عنها، فأرى البقعة القاتمة العالقة على الأرضية، وأتذكر حينها أنها كانت تحمل جنيني في بطنها...".