يحقق "إله الأشياء الصغيرة" أهم ما يحتاج إليه من فن التخيل، رؤية العالم وكأننا نراه للمرة الأولى، وملاحظة واعتبار كل تلك الأشياء الصغيرة، الصغيرة نعم، ولكن التي تصنع الحياة من حولنا، حياتنا، تكتب روي ببصرية محتشدة خصبة، تأخذ بيدنا وتجعلنا نلمس كل تفصيل، ونشعر بنتوءاته وانبساطاته دون رحمة، حتى الثمالة، ودون متاجرة أو تصنع أيضاً، بل ببساطه شديدة مرجعة، تبني بنية متشابكة هائلة من التفاصيل المكثفة الدقيقة، وبذكاء وحساسية عالية تبرز تفكير وأحاسيس متكامل كل شخصية من غير أن تطغى واحدة على أخرى، تمضي مع كل منها حتى النهاية، كلّ متكامل.
وفي "روى" شيء طفولي، فلديها المقدرة العالية على الدهشة، على رؤية العالم كما يراه الطفل واستعاراتها الدقيقة والمحكمة، تضحكك رغماً عنك، تسبر أغوار مجتمع خاص، عزل نفسه بدفعه داخل محيطه الأعم، مجتمع المسيحيين السوزيين، الذين استوطنوا المنطقة بأعداد كبيرة واتخذوا نصيراً اللغة الإنكليزية والإمبراطورية، وعزلوا عن السياق الكبير لحركات الأمة، وتتعرض لأوضاع النساء ولنظام الطبقات القاسي في الهند، وتصف وتحلل بفراسة وفطنة الأوضاع السياسية المعقدة في كيرالا، بالرغم من أن النهاية تلوح مبكراً، إلا أن روي توظف سرداً موارباً، غير مباشر، بحيث تنبثق الأحداث خارج سياقها الزمني فتستخدم تقنية سينمائية، قفزات زمنية، شطحات نحو الأمام، ومن ثم انكفاءات سريعة، لتسرًع وتؤجل في آن واحد، الكارثة القادمة تكتب "روي" بتدفق، بغزارة كلامية، استطاعت أن تنفذ إلى كل تلك الأشياء الصغيرة وتحتويها، فكان لها صوتها الخاص، وتوقيعها الخاص.