"امتاز عم منصور بصفتين رئيسيتين.. الأولى أن الرجل هو أهم شخص طوال العامين الأولين فى كلية الطب لغالبية الطالب، إن لم يكن جمعيهم..ولما لا، وهو خازن قلعة الأسرار.. المشرحة.. الرعب والصدمة الأولى التي تنتظرها، وتتلقاها في أول عهدك بدراسة الطب.. اللحظة التي تتخيلها كثيرا قبل أن تلتحق بالكلية ربما لأن دراسة الطب تعني للكثيرين عالم من الجثث الممزقة والأشلاء الدامية.. يحدثك صديقك حين تعود من الكلية، بعد يوم واحد من التحاقك بها بانبهارعن عدد الجثث التي قمت بتشريحها.. وتنظر إليك أمك بتوجس فور أن تعود من الكلية، وعيناها لا تفارقان يديك بتأفف متسائل:- ألن تستحم وتغتسل؟ ظناً منها أنك ربما تسبح في الكلية فى بحر من الجثث والدماء والأشلاء.. وتتأفف أختك حين تجلس بجوارها إلى المائدة، متسائلة باستنكار:- هل تظن أنك ستأكل معنا؟ طبعاً ستجيب من بين أسنانك، وأنت تجاهد نفسك ألا تقضم رقبتها: بالطبع لا.. من قال هذا؟.. أنا فقط أجلس بجواركم كي أستمتع برؤيتكم، وأنتم تتناولون الطعام.. إن هذا هو ما يشبعني. لا تغضب يا صديقي لو حدث هذا لك، وغالباً سوف يحدث، ستتحول فى أعينهم إلى كائن موبوء مصاب بالجرب، وسيستمر هذا بعض الوقت الى أن يعتادوا عليك مرة أخرى، أو تعتاد أنت على اشمئزازهم منك، فلا تبالي بعد ذلك، لذا من الصعب أن تتخيل أن هناك أشياء كثيرة مهمة في دراسة الطب، بل وربما تستحق ذعراً أكبر بكثير مما تتنظره من المشرحة والجثث كلمني عن عوالم علم دراسة الأنسجة (الهستولوجي) وشرائحها المتشابهة، وصبغياتها القاتمة اللعينة.. حدثني عن الكيمياء الحيوية بمعادلاتها الشيطانية التي لا تنتهي.. حدثني عن الإمتحانات الشفهية.. رعب قوطى يستحق الاهتمام والدراسة، ولا يعلمه إلا من عايشه.. صدقني لو أدركت عوالم هذه الأشياء المخيفة، لما سببت لك المشرحة بجثثها كل هذا الرعب".