تميل هذه الرواية لأجواء الخيال والغرائبية، ولا تتناول في طيها مجتمعاً بحد ذاته وهو ما يمكن لمسه من خلال أسماء أبطالها، كما لا تُحيل "الآدميون" قارئها إلى زمان أو مكانٍ معينين ولكنها تتقاطع مع مجتمعاتنا في الكثير من التفاصيل. تبدأ أحداث الرواية من منطقة المأمونة وهو المكان الذي تدور فيه الأحداث حيث تتعرض إلى التدمير، ثم يرجع الكاتب إلى جريمةٍ راح ضحيتها إحدى أفراد المأمونة، ثم يتم اكتشاف جثة المجني عليه فيبدأ البحث عن الجاني. والغريب في موضوع القتل في الرواية، أن المأمونة بمثابة "مملكة مثالية" لم تتعود أن تتعرض لأحداث كجرائم أو قتل فهي لا تعرف العداوة أو الكراهية. وفي شكل الرواية البوليسية، تشتعل الأحداث فيها إلى غاية معرفة القاتل، الذي يعترف في نهاية الأمر بجريمته وهو يسخر من تلك المدينة والحضارة اللتان لم تتمكنا من الوصول إلى حقيقته كمجرم وقاتل. إلى جانب شكل الرواية البوليسي، تأخذ "الآدميون" شكلاً غرائبياً فانتازياً فهي رواية ملتبسة، يحتاج قارئها لوقت حتى يعتاد ويألف أسماء أبطالها المبهمة التي تحتاج لتفسير، ولكن ما أن يتعرف القارئ على الأماكن وأسماء الأشخاص في هذا العمل، سرعان ما يندمج في سياقاتها وعوالمها. وتعد أغلب روايات إبراهيم السعدي روايات واقعية لكن هذه الرواية خرجت عن المسار، وهذا التحول عائد لحلمه في أن يصبح مفتشاً في الشرطة، كما أضاف السعدي لطابع الرواية البوليسي الذي حافظ عليه فيها أمراً جديداً، فبثّ فكرة مجتمعٍ تحدث فيه جريمةٌ لأول مرة. ويؤمن كاتبنا منذ صباه أن الوجود البشري ما هو إلا وجود مأساوي يرتكز على القهر، وأن وجود الإنسان له علاقة ارتباط وثيقة بمسألة الشر، ولكنه صار عادياً فصرنا لا نراه. وتعتبر رواية "الآدميون" كما يراها السعدي أشبه بالمرآة التي يرى فيها الإنسان نفسه، لذلك افترض هو وجود مخلوقات تلقي الضوء على الآدميين، كما خلق عالماً لا وجود للشر فيه. ولعل هذه الرواية وثيقة الصلة بالحلم والرغبة، وفي شيءٌ لا يمكن تحقيقه على أرض واقعنا البائس الذي هو واقع الآدميين وعالمهم، لذلك محاولة عثور بطل الرواية عن عالم مثالي هو بحث حزين، لأن التراجيديا تلازم الوجود والإنسان دائماً وأبداً، والرواية تتحدث عن الإنسان كإنسان فالبشر كلهم مخلوقون من طينة واحدة.
الروائي الجزائري إبراهيم السعدي، طليعي بارز أصدر عدداً من الأعمال الروائية والدراسات في مجال الأدب والفكر.