يعدُّ أبو حيان التوحيدي أحد أبرز الأعلام في تاريخ الثقافة والعربية، اسمه علي بن محمد بن العباس، كنيته أبو حيان، ولقبه التوحيدي، وقد غلب عليه هذا اللقب لأن أباه كان يبيع نوعًا من التمر في العراق يقال له «التوحيد»، ويُحتمل أن يكون اللقب نسبة إلى التوحيد وهو الدين والعقيدة، لأن المعتزلة كانوا يسمون أنفسهم أهل العدل والتوحيد.
عاش أبو حيان منذ ألف عام في القرن الرابع الهجري، ولا يُعرف على وجه الدقة تاريخُ مولده، ومدة حياته، وهو شأن كثير من أعلام ذلك الزمان. لكنه عاش على الأرجح بين عامي 311 هـ و414هـ، ونَيَّفَ عمره على التسعين، وقد يكون تجاوز القرن.
كانت مؤلفات أبي حيان انعكاسًا لطبيعة تكوينه الفذّ، ولثقافته العميقة الواسعة، فقد صنف كتبًا ورسائل كثيرة؛ حتى عُد من أفراد عصره الذين اشتهروا بكثرة التأليف في فنون شتى من المعرفة، وكان له أسلوب ينسج فيه على منوال الجاحظ، جمع البلاغة والفصاحة ونصاعة البيان وفحولة الألفاظ وثراء المعاني، وكثر فيه إيراد النوادر والملح والفكاهة، كما سنرى في هذا الكتاب الذي سيأخذنا في جولةٍ تفصيلية لنتعرَّف على حياة هذا العالِم عن قرب.