تعالج رواية "عصفور من الشرق" لتوفيق الحكيم موضوع (العلاقة بين الشرق والغرب) في ظروف الصدمة التي نشأت عند بدايات النهضة واكتشاف العرب لهول ما وصلت إليه الحضارة الغربية، التي قطعت أشواطاً بعيدة في الرقي والتقدم، عن طريق بطلها "محسن" ذلك الشاب الذي جاء إلى باريس لدراسة الحقوق، وكان مولعاً بالفن، مثالياً في تفكيره، فبهرته المظاهر الباريسية الماثلة في كل شيء، والتي تحيط الآثار الدينية والفنية الجميلة بهالات مادية تسلبها روحانيتها، وتحيلها إلى جماد لا قيمة له، فأعظم الألحان الموسيقية وأجمل السيمفونيات تفقد رونقها في حفلات الأوبرا بسبب ما يلتزم به الناس من تأنّق، وما يخصصونه لمناسباتها من مظاهر البذخ المادي في اللباس والحلي.
هذه المثالية جعلت "محسن" وهو المغرم بالتاريخ الفني العظيم لأوروبا، ولباريس خاصة، لا يستطيع أن ينسجم مع تلك الهالة والمظاهر المادية التي يعيشها الناس هناك، ويظل يعيش في خياله الحالم بفن روحاني خالص، وقد سبب له ذلك أزمات متتالية، كانت أكبرها أزمته مع "سوزي" تلك الفتاة الفرنسية بائعة التذاكر التي كان يتأملها من بعيد، ولا يجرؤ على أن يقترب منها أو يعبر لها عن حبه....