"ما من شىء استطاع أن يضئ لى معنى كلمة " الفن " في مراميها الحقيقية مثل ذلك الموقف البسيط من مواقف " العدالة " في جلسة من جلسات الجنح والمخالفات...
كنت فى مقعد النيابة العامة في تلك المحكمة الصغيرة من محاكم الأقاليم ، أستمع في ضجر وفي نصف وعى إلى صوت القاضى ينطلق في رتابة مملة بأحكام الغرامات على من مارس حرفة سقا بدون رخصة واستعمل الصفائح بدل القرب ، وعلى من " تعاطى " مهنة شيال بدائرة المحطة بدون تصريح ، وعلى من باع عجلاً مذبوحاً خارج السلخانة ، وعلى من ذبح أنثى جاموس أو بقرة لم تستكمل نموّ الأربعة القواطع الدائمة ، وعلى من أخرج جثة متوفى أو نقلها قبل مضي ميعادها القانوني.
وعلى من لم تُخطر عن انتقال مومس إلى منزلها بصفتها عاقلة مسؤولة، وعلى من لم يبلّغ عن ظهور دودة... وعلى من ...وعلى ..وعلى من ..
ولم أجد وسيلة للتسرية عن نفسي حتى لا أقع في التثاؤب والنعاس إلّا بالنظر إلى تلك النقوش العجيبة فوق منصّة النيابة أمامي...."
"عدالة وفن" واحدة من أشهر مجموعات توفيق الحكيم القصصية وأكثرها امتاعًا.