إنه لنافع لمن يقدرون محمداً، وليس بنافع لمحمد أن يقدروه؛ لأنه فى عظمته الخالدة لا يضار بإنكار، ولا ينال منه بغى الجهلاء، إلا كما نال منه بغى الكفار.. وإنه لنافع للمسلم أن يقدر محمداً بالشواهد والبينات التى يراها غير المسلم، فلا يسعه إلا أن يقدرها ويجرى على مجراه فيها.. لأن مسلماً يقدر محمداً على هذا النحو يحب محمداً مرتين: مرة بحكم دينه الذي لا يشاركه فيه غيره، ومرة بحكم الشمائل الإنسانية التي يشترك فيها جميع الناس. وحسبنا من "عبقرية محمد" أن نقيم البرهان على أن محمداً عظيم فى كل ميزان: عظيم فى ميزان الدين، وعظيم فى ميزان العلم، وعظيم فى ميزان الشعور، وعظيم عند من يختلفون فى العقائد، ولا يسعهم أن يختلفوا فى الطبائع الآدمية، إلا أن يرين العنت على الطبائع فتنحرف عن السواء وهي خاسرة بانحرافها، ولا خسارة على السواء. إن عمل محمد لكاف جد الكفاية لتخويله المكان الأسنى من التعظيم والإعجاب والثناء... إنه نقل قومه من الإيمان بالأصنام إلى الإيمان بالله، ولم تكن أصناماً كأصناه يويان، يحسب للمعجب بها ذوق الجمال إن فاته أن يحسب له هدى الضمير.. ولكنها أصنام شائهات كتعاويذ السحر التى تفسد الأذواق وتفسد العقول..فنقلهم محمد من عبادة هذه الدمامة إلى عبادة الحق الأعلى.. عبادة خالق الكون الذى لا خالق سواه، ونقل العالم كله من ركود إلى حركة، ومن فوضى إلى نظام، ومن مهانة حيوانية إلى كرامة إنسانية، ولم ينقله هذه النقلة قبله ولا بعده أحد من أصحاب الدعوات...